الشركات الأهلية : بين روح المشاركة و ضبابية التمويل و التشريع


منذ أكثر من عامين، أصدر الرئيس قيس سعيد المرسوم عدد 15 المتعلق بالشركات الأهلية، الذي شكل حجر الزاوية في البرنامجه الاقتصادي خلال حملته الانتخابية لرئاسيات 2019، غير أن ذلك المشروع كان أشبه بقطار يُدفع للتحرك دون سكك حديدية، إذ تواجه 40 شركة أهلية أنهت إجراءات التأسيس القانوني لها، إضافة إلى 60 شركة أخرى في طور التأسيس، مطبات تحول دون بدء نشاطها الاقتصادي

قصة شركة أهلية:
بادر رشاد الماجري، رفقة مجموعة من أبناء ولاية منوبة، في ديسمبر الماضي، بخطوات تأسيس أول شركة أهلية جهوية للفلاحة المندمجة في الجهة، تعنى بالإنتاج الحيواني والنباتي اطلقوا عليها اسم "منوبة البية". يقول رشاد الماجري وهو أحد المساهمين في شركة ”منوبة البية“ أن الشركة تضم 67 مشارك في المشروع 85% منهم مختصين في المجال الفلاحي
يأكد نفس المصدر أن الشركة استكملت إجراءات تأسيسها منذ سنة الا أنها لم تنظم سوى نقطة بيع وحيدة و هي الأن متوقفة عن العمل نظرا للصعوبات التي تواجههم خاصة في توفير أراضي زراعية اذ تبلغ مساحة الأرض التي من المنتظر العمل بيها 500هكتار
"فيديو رشاد"

من منوبة البية انتقلنا إلى" تونس الجميلة "و هو اسم شركة الأهلية الجهوية مازالت لم لم ترى النور بعد حيث التقينا بالسيد محرز بوعلاق خبير بناء أراد المشاركة في مشروع الشركات الاهلية بغية العمل في المجال البيئي وتأطير جامعي البلاستيك أو ما يعرف بالبرباشة، غير انه اصطدام بواقع لا يخلو من العقبات في كل خطوة نحب "نحب نخدم بلادي ،نشوف تونس مزيانة" هكذا بدأ محرز كلامه .

"فيديو محرز"

خلال العامين الماضيين، بذلت أجهزة الدولة ومختلف مرافقها، بما في ذلك الولاة والمعتمدين والعمد، جهودًا مكثفة لتوعية المواطنين حول أهمية إنشاء الشركات الأهلية في المحليات والجهات. أصبحت السلطات الجهوية والمحلية تعقد اجتماعات دورية مع المواطنين وتنظم حملات توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة كما تعمل على تقديم الحوافز والتسهيلات الازمين للمستثمرين الراغبين في إنشاء شركات أهلية، بغية تشجيعهم على إنشاء هذه الشركات عرف السيد عبد الستار الرابحي المكلف بالشركات الأهلية  بوزارة الاقتصاد بأنها "شخصية معنوية , يتم إحداثها  من طرف أهالي جهة أو منطقة معيّنة وتعمل على تأسيس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية للنشاط الاقتصادي، بحسب ما جاء في الفصل الثاني من المرسوم الرئاسي الخاص بتأسيس الشركات الأهلية.

وتهدف هذه الشركات، بحسب الفصل الثالث من المرسوم، إلى “تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها”.

وتنحصر وظائف الشركات الأهلية في بعث المشاريع الاقتصادية استجابة إلى احتياجات المتساكنين في المنطقة التي يتم فيها بعث هذه المشاريع والمساهمة في مسار التنمية بآليات وقوانين ومبادئ جديدة، مثلما أوضح لـ”نواة” الناشط السياسي وعضو حملة قيس سعيد في الانتخابية، رضا شهاب المكي.

يندرج مشروع الشركات الاهلية في اطار توجه الدولة الجديد في تحقيق منوال اقتصادي و تنموي بديل يرتمز على خلق الثروة و الربح الجماعي و التوزيع العادل لها".

و في حوار لنا مع السيد عدنان بن صوف معتمد مركز ولاية منوبة و مكلف بالشؤون الاقتصادية و بملف الشركات الأهلية:

يندرج مشروع الشركات الاهلية في اطار توجه الدولة الجديد في تحقيق منوال اقتصادي و تنموي بديل يرتمز على خلق الثروة و الربح الجماعي و التوزيع العادل لها".


كما تتيح الفرصة لمتساكني المناطق الداخلية بالمشاركة الفعالة في تسيير هاته الشركات و بلورة تصور لرؤية هذا المشروع و أفاقه.

كما اشار إلى بعض القطاعات التي يمكن الرهان عليها عبر بعث شركات أهلية كالطاقات المتجددة و تنمية المنتوجات الفلاحية و رسكلة النفايات.

و اكد السيد عدنان بن صوف ان الدولة تدعم هذا المشروع حيث أصدر أمر بأحداث كتابة دولة خاصة بملف الشركات الاهلية.و ادارة صلب وزارة التشغيل و التكوين المهني تعنى بملف الشركات الاهلية و تهتم بضبط الاجراءات الإدارية و الترتيبية المغلقة ببعث هاته الشركات.




و في ذات السياق أفاد كاتب عام بلدية منوبة أن السلطات المحلية تسعى جاهدا لتذليل الصعوبات من توفير فضاءات لقاء ألى تنظيم أنشطة و فعاليات سواءا للشركات الأهلية الجهوية أو المحلية و ذالك خدمة للجهة وللصالح العام .

''فيديو مع كاتب عام بلدية منوبة''

على الرغم من هذه الجهود الكبيرة، فإن النتائج الملموسة على أرض الواقع لم تتماشى مع الخطاب الرسمي الذي يصور هذه الشركات كمطلب شعبي. حتى 16 مارس 2024، وفقًا لبيانات السجل الوطني للمؤسسات، تم تأسيس 27 شركة أهلية فعليًا، منها 22 شركة محلية وخمس شركات جهوية

''خريطة التوزع الجغرافي للشركات الأهلية في تونس''






جغرافيًا، تنتشر هذه الشركات عبر تسع ولايات، حيث تتصدر سيدي بوزيد القائمة بخمس شركات أهلية تبلغ قيمة رأس مالها الإجمالي 128 ألف دينار. تليها ولاية القيروان بثلاث شركات أهلية ورأس مال إجمالي يبلغ 85,225 دينار. ولاية جندوبة أسست ثلاث شركات أهلية برأس مال إجمالي يصل إلى 41,600 دينار. فيما أسست ولايات سليانة، سوسة، نابل، باجة، المهدية، وولايات أخرى مثل صفاقس، زغوان، مدنين، قفصة، قبلي وقابس شركات برؤوس أموال متفاوتة، مع تأسيس شركة واحدة في كل منها ورأس مال إجمالي يقارب 112 ألف دينار للشركات الثمانية ومن بينهم شركة أهلية جهوية وحيدة في منوبة.

يمثل الرسم البياني التالي عدد الشركات وراس مالهم حسب الجهات وفقا لمعطيات الترسيم المنشورة على موقع السجل الوطني للمؤسسات



وحول هذا التوزع القطاعي للشركات الأهلية أرجع الخبير الاقتصادي راشد العبيدي تركز معظم الشركات الاهلية في النشاط الفلاحي يعود  لعدة أسباب أهمها طبيعة المنطقة و خصوصيتها

"فيديو الخبير الاقتصادي"

كما شدد أن هذا المشروع لن تكتب له الاستدامة في ظل نصوص قانونية هشة نسبة لمرسوم الصلح الجزائي.و تجدر الاشارة في هذا السياق أن  الفصل 30 من المرسوم عدد 13 المتعلق بالصلح الجزائي  ينص على أن تُخصص 20 بالمائة من عائدات الصلح الجزائي للجماعات المحلية بغاية المساهمة في رأسمال الشركات الأهلية ما يطرح ثلاث إشكاليات، الأولى أنه تم حل المجالس البلدية في مارس الماضي والثاني هو الصبغة العمومية التي ستكتسبها الشركات الأهلية بمساهمة المجالس المحلية في رأسمالها والثالثة أن اللجنة الوطنية للصلح الجزائي، وهي الهيكل المكلف بتلقي مطالب الصلح الجزائي،  تعمل بفريق غير مكتمل بعد إقالة فاطمة اليعقوبي في جويلية الماضي وهي الممثلة عن المكلف العام بنزاعات الدولة.

"فيديو الصلح الجزائي"

يرى متابعون أن تأسيس الشركات الأهلية، والتي تتطلب مشاركة 50 فردًا على الأقل برأس مال جماعي لا يقل عن 10 آلاف دينار للشركات المحلية و20 ألف دينار للشركات الجهوية، تُقدم حلولًا محتملة لمشكلة البطالة.

هذه الرؤية على جاذبيتها تقابل بانتقدات من الخبراء الاقتصاديين فهذه الرؤية تبسط تعقيدات الأزمة الهيكلية التي تواجهها تونس، والتي تتطلب معالجة شاملة على مستوى الخيارات الاقتصادية الوطنية الكبرى.

و في هذا السياق ثمن السيد رضا قويعة أستاذ في العلوم الاقتصادية تجربة الشركات الأهلية في تونس مؤكدا أن سنتين غير كافيتين لتقييم هذه التجربة لو توفرت الأطر القانونية، و اعتبرها فرصة لدمج غير الفاعلين الاقتصاديين في مجال الأعمال و الانتاج.

هذا و اعتبر انها مبادرة جيدة لتوفير مواطن شغل للبعض و لكنها ليست حل جذري لمشكل البطالة.

"التسجيل الصوتي"

وبين متحمس للفكرة و ناقد لها، تبدو الفكرة مغرية للبحث في خلفيتها وآليات عملها ومدى انسجامها مع المنظومة الاقتصادية التونسية، ودورها في كسر الاحتكار والبيروقراطية ونظام الرخص و كراسات الشروط و تساهم في تنمية الجهة.




Fabriqué avec Visme Infographic Maker

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

la fameuse sauce du Cap bon(DS)

فخار نابل بين الأصالة و الحداثة (ds)